قوة الكاريكاتور
جميعنا يعرف أن الصحافة الورقية في طريقها للفناء، والسبب هو التكنولوجيا، ومع ذلك تبقى قوة الكاريكاتور مسيطرة في عالم الصحافة. الألواح الذكية والإنترنت وصل إلى كل مكان في العالم. حتى أفقر قرية في إفريقيا بها مقهى للإنترنت. تلك التكنولوجيا منحتنا القوة للتواصل معا كبشر في كل مكان. منصات التواصل الاجتماعي حولت العالم إلى قرية صغيرة
في عام ٢٠٠٥ قامت مجموعة من رسامي الكاريكاتير الدنماركيين برسم كاريكاتير ساخر عن الرسول. هذا الأمر كان له تداعيات في كل أنحاء العالم. مظاهرات .. فتاوى تحث على الكراهية والعنف .. ومات إناس بالفعل بسبب هذا العنف. يقول أحد الرسامين الدنماركيين أنه كان أحد الرسامين الـ ٢٤ الذين كلفوا برسم الرسول. وقد رفض ١٢ منهم المهمة. أتعرفون لماذا؟ لأن الرسام المحترف يرفض أن يملي عليه أحد ما يجب أن يرسمه فالرسم كالكتابة. هو درب من دروب الإبداع، لا يمكن أن يملى عليك من الخارج، إنما هو حالة ذهنية تخرج من الداخل
على أية حال فإن القصة التي وثقنا لها في السطور السابقة مجرد مثال. وهو يدل على مدى قوة هذه الأداة الصحفية في إشعال فتيل الأزمات الدينية والسياسية وحشد المظاهرات والحروب. والتاريخ ملئ بالأمثلة، فالنازيين استخدموا الكاريكاتير لمهاجمة اليهود. وبينما الدول تتصارع في الأمم المتحدة بين مؤيد لسن قوانين تعاقب على الإساءة للأديان، وبين معارض لذلك بزعم حرية التعبير. وهنا يقف الكاريكاتير كفن في منتصف الطريق فهو يمثل حرية الرأي ولكن بشكل هزلي لا يحتمل الجد ولا يمكن أن نقول عليه أنه إساءة صريحة، ومقصودة
ساحل العاج
في عام ٢٠٠٦ كانت ساحل العاج بغرب إفريقيا تعج بالانقسام، الثورة في الشمال، والحكومة في الجنوب، والجيش الفرنسي في الوسط. الصراع حمل وجها عرقيا، حيث الدوزو، وهم صيادون تقليديون في غرب إفريقيا يساعدون الثوار، يقول الناس أنهم يملكون قوى سحر خارقة، يمكنهم الاختفاء وتفادي الرصاص. في هذه الأجواء كانت ثمة تجربة صحفية جدير بالنظر. تم جمع عدد من الرسامين الكاريكاتير، وهم بالمناسبة من عدد من الصحف المختلفة والمتعارضة ما بين مؤيد أو معارض للثورة، وتم عزلهم لمدة ثلاثة أيام في ورشة عمل، وطلب منهم أن يشتركوا معا في مشروع لرسم سلسلة من الأعمال الكاريكاتيرية تتعرض للقضايا المتعلقة ببلدهم
في اليوم الأول، كانوا جميعهم يصيحون في بعضهم البعض. ولكن في النهاية خرجوا بكتاب، يُبيّن ثلاثة عشر عاما من الكوارث السياسية في ساحل العاج. لقد استطاعوا أن يحكوا لنا تاريخ الأزمة على مدى ١٣ عاما في شكل رسوم بين دفتي كتاب، لقد رسموا لنا التاريخ في هذا الجزء المنقسم من العالم
في ٢٠٠٩ كانت ثمة تجربة مماثلة، لكن هذه المرة في لبنان، حيث تم اقناع رؤساء التحرير بنشر أعمال لـ ٨ رسامين كاريكاتير في الصفحات الأولى لصحفهم – سواء كانت صحف حكومية، مسيحية، مسلمة، عربية، أو إنجليزية – وعلى مدى ٣ أيام كانت بيروت كلها تتلقى في الصفحات الأولى رسوم كاريكاتيرية عن علاقة الدين بالسياسة والحياة اليومية. لقد كان عملا وطنيا بمعنى الكلمة، الكاريكاتير وحد الرأي العام تجاه القضايا التي تواجه الناس في بلدهم
ما نود أن نؤكد عليه هنا أن الكاريكاتير أداة صحفية قوية، لا تقل في قوتها عن الكلمة المكتوبة، فقد تشعل فتيل الكراهية بين الناس، وقد توحد صفوفهم، والأمر كله مرهون بأخلاق الرسام وأمانة ما يقدمه سواء كان ذلك على أوراق الكتب والصحف، أو على صفحات المواقع الإلكترونية على الإنترنت
يمكنك الاطلاع على المزيد من المقالات في فنون الصحافة هنا