نصائح صحفية للعمل من المنزل

نصائح صحفية للعمل من المنزل

تجربتي مع كورونا

الغموض يحفز الشعور بالخوف، ولا شك أن الأوقات العصيبة التي نمر بها تضع عبء على الرؤساء بشكل كبير، فبالإضافة للمتغيرات والتحديات المتلاحقة التي تواجه المؤسسة الصحفية، يجد الرؤساء فيها أنفسهم محاطين بسيل من الأسئلة اليومية التي لا إجابة لها: متى سنعود إلى المكتب؟ متى سينتهي ذلك؟ كيف يمكن تحقيق هذا الأمر؟ هل ثمة نوايا لخفض الرواتب أو التسريح؟ ما هو وضع المؤسسة المالي؟ .. إلخ

طبعا بعض هذه المعلومات قد يكون سري، ولا يمكن الإفصاح عنه، لكن هذا الأمر لا يعني أبدا أن يكذب المدير على مرؤوسيه، ولا أن يؤملهم بأحلام زائفة، ولا أن يعطيهم ـ كما يقولون بلغة الصحافة – حقنة “مخدرة” تحت الجلد

إذا كيف يتعامل المدير مع هذه الحالة الضبابية؟

نصيحة للمدراء

أتحدث عن تجربتي الشخصية في ذلك، فبداية يجب أن يصرح المدير في كل كلامه بأن أمن الموظفين وسلامتهم هي أولوية رقم واحد في أهداف المؤسسة، وأن الموظفين هم أصول المؤسسة التي تراهن عليها وتنجح بها، وأن عملهم وجهدهم محل تقدير. وهذا ليس كذب ولا تهدئة زائفة، فهذا واقع، فكيف تنجح أي مؤسسة من دون القوى البشرية التي تنتج وتحقق الربحية للمؤسسة؟

ثانيا الشفافية .. إذ يجب أن يكون المدير صريحا وواضحا، لكنه غير مضطر للإجابة على كل الأسئلة بالتفصيل، وخصوصا إذا كانت تتضمن أمور حيوية لا يمكن الإفصاح عنها، وفي هذه الحالة يجب أن يكون واضحا بالنص “ليس لدي إجابة الآن على هذا السؤال”، أو “هذه هي المعلومات المتوفرة حتى الآن”، أو “أتمنى أن أخبرك ما سيحدث بالضبط، لكنني سأطلعك على المستجدات بمجرد أن أعرفها”

إن كل المعلومات التي يمكن أن يقدمها المدير، والتي من شأنها أن تحقق مساحة الطمأنينة، وتشعر المرؤوس بأنه مشارك في الحدث يجب الإفصاح عنها، وشرح المواقف والقرارات التي تم اتخاذها ليكون الموظف مشارك فيها

ثالثا الأبوة .. يجب أن يلعب المدير دور الأب الذي يتسم بالحزم والشدة، والحب والرحمة في نفس الوقت. أدخل مساحة شخصية ولو قليلة تشعرهم أن المعاناة التي هم فيها أنت تعرفها وتقدرها وتتعرض لها مثلهم، وكن لهم مثلا وقدوة في التماسك والصبر والتفاني والمسؤولية، وليس أدل على ذلك من أن تكون متواجد معهم وبالقرب منهم لكى لا يشعروا أنهم يحاربون وحدهم في الميدان، فوجود القائد بينهم يشعرهم باكتمال الفريق

رابعا خطة التواصل .. يجب أن يكون لديك خطة واضحة للتواصل مع الفريق، سواء من خلال مجموعات التواصل الافتراضية، أو البريد الإلكتروني، أو التقارير في نهاية كل مناوبة الخ. فالاتصال المبكر والمتكرر يحمي الفريق من الشائعات، ويجعلك دائما في قلب الفريق

خامسا الثقة واليقين .. آمن بقدرات فريقك، وشجعهم على اتخاذ القرارات في محيط عملهم، فلا يجب أن ينتظروا رأيك في كل خطوة، وبث الإيمان فيهم بأن الله لن يضيع جهدهم .. فالرجلان كانا محاصرين بالموت من كل جانب، إذ يقول لصاحبه “ما ظنك باثنين الله ثالثهما” .. هكذا يكون اليقين وقت المحن

نصيحة للمرؤوسين

صحيح أن العمل من المنزل مرهق ومربك في ذات الوقت، وهذا من ضمن الأمور التي واجهتها أنا شخصيا، كموظف وكمدير، فبحكم وظيفتي وقربي من الموظفين، تعرفت عن قرب على عدد لا بأس به من المشاكل الحياتية اليومية أثناء العمل من البيت، أهمها صعوبة وجود ركن هادئ لأجراء الاجتماعات الافتراضية، والتركيز في العمل، وربما عدم تقدير الأسرة لطبيعة الظرف الراهن وطبيعة عملك، أضف إلى ذلك أن البيت الذي به أبناء يدرسون على الإنترنت، في ذات الوقت الذي تستخدم فيه الإنترنت في عملك، يمثل حملا على شبكة المنزل، كذلك العمل المتصل ليل نهار وعدم القدرة على الفصل بين ساعات العمل وساعات الراحة تؤدي إلى الإرهاق الجسدي والنفسي، والشعور بأن البيت لم يعد مكانا للراحة، وعلى أفضل الأحوال إذا كانت الأسرة تقدر طبيعة الظرف، وتحاول أن تهيء لك مكانا هادئا للعمل، فهذا يعني حظر تجوال لك ولأسرتك داخل جدران ذات المنزل، يعني سجن داخل السجن، وأما بالنسبة للنساء العاملات فقد يتحول عملهن من البيت إلى بوابة جحيم بحق الكلمة، وحدث ولا حرج، ناهيك عن الهموم الحياتية اليومية داخل كل بيت

أضف إلى ذلك أن الصحفيين يواجهون ويعملون كل يوم مع سيل من الأخبار السلبية التي دون أدنى شك تؤثر على نفسيتهم، هذه الحزمة من المشاكل التي تحيط بالموظف تجعله غير قادر على الإنتاج، في وقت نحن في أمس الحاجة فيه للعمل بشكل مبدع، وبأكبر قدر من الحماس لمواجهة التحديات الصعبة المفروضة علينا

فماذا نفعل إذا؟

سأقتبس هذا الجزء من مجلة هارفرد بزنس رفيو: “عندما شٌخِصَت إحدى موظفاتنا بإصابتها بالسرطان، كان أول ما فكرنا فيه هو تقليل حجم عملها، لكي تركز على التعافي من مرضها .. لكننا سرعان ما أدركنا أننا سلبنا منها مصدرا رئيسيا للشعور بالمتعة والهدف. فقد كان العمل بمثابة مكان للاستراحة، لتنشغل عن الأخبار المثيرة للقلق التي تتلقاها كل يوم”. أنتهى الاقتباس

يمكننا أن نستخلص من هذه الفقرة عددا من التوصيات الهامة، أولها الهدف، فالذي يسير بلا هدف، كالتائه في الصحراء. حدد هدفك واكتبه، واقرأه كل يوم قبل أن تبدأ يومك، فقد أعطاك الله يوما جديدا لتحقق فيه هدفك، فأثبت لله أنك تستحق هذه الفرصة، وابذل كل نفيس من أجل تحقيق هدفك، مهما كلفك الأمر من تضحية، فكلما كانت عيناك متشبثة بالهدف لن تشعر بآلام الطريق

هنا أنصحك بتفتيت هدفك إلى أهداف مرحلية، فإذا كان هدفك مثلا الحصول على الماجستير في تخصص كذا، فأهدافك المرحلية قد تكون : ١ حصر الجامعات التي تقدم منح دراسية، ٢ مراسلة الجامعات، ٣ تجهيز الأوراق المطلوبة، ٤ اجتياز اختبار اللغة المطلوب، ٥ إعداد مخطط بالدراسة المطلوبة .. وهكذا. لذا ضع ضمن أهدافك اليومية ألا ينتهي اليوم قبل أن تكون قد حققت هدفا مرحليا أو جزء منه

ثانيا الخطة اليومية .. ضع لنفسك خطة يومية واقعية، وأملأ يومك بالتفاصيل التي تخدم هدفك، ورتب يومك بالساعات، وانشغل بتحقيق الخطة والتزم بها. فلا يجب أن تعمل طوال ساعات الليل والنهار، فثمة وقت للعمل، ووقت للراحة، ووقت للأسرة، ووقت للعبادة، ووقت للرياضة .. وهكذا

ثالثا طور نفسك .. عملك من البيت له فوائد جمة، فقد وفرت على الأقل ساعة أو ربما أكثر كنت تقضيها في الطريق إلى العمل، وربما ساعة أخرى للحديث مع الزملاء، استغل هذه الأوقات في قراءة كتاب أو مقال، أو حضور دورة تدريبية لتطوير قدراتك المعرفية ومهاراتك المهنية، أو المشاركة في وبنار أو مؤتمر افتراضي للاطلاع على المستجدات في تخصصك، وفي سبيل جعل يومك مثمرا .. تحد نفسك، واخلق فكرة جديدة مما تقرأه أو تحصله في كل يوم، سواء كانت في العمل أو في شيء تحبه، واكتبها في دفتر، وراجع هذا الدفتر في نهاية كل أسبوع

رابعا أصنع البهجة بيديك .. غير الروتين من وقت لأخر، بمعنى غير مكانك، تسلسل الأمور التي تقوم بها، طريقة أداء العمل، ضع لنفسك مكافأة في نهاية كل يوم، المهم أن تجعل يومك مرحا ومثيرا، أخلق ذلك بيديك، وعش فيه، واستمتع به، فهذا يحفز الحماس داخلك، ولا تنسى العبادة، فارتباط القلوب بالسماء يخفف الهموم، ويزيد اليقين، ويملأ القلب سعادة

خامسا حاسب نفسك .. ففي نهاية كل أسبوع راجع نفسك، وأنظر إلى ما أنجزته، وما أخفقت فيه خلال الأسبوع، حلل أسباب النجاح أو الإخفاق، ضع أصبعك على المشكلة، وفكر في حلها لتحول الاخفاق إلى نجاح، وأعد جدولة خطتك للأسبوع التالي ليكون أفضل من سابقه، وفي اتجه الهدف الذي رسمته

أنظر ماذا فعلت الآن .. أنت مشغول، لا وقت لديك لتفكر في الأفكار السلبية .. أنت سعيد وناجح، ولديك هدف .. جرب الوصفة وأخبرنا بالنتائج

كانت هذه تجربتي .. فما هي تجاربكم؟

المصدر

Harvard Business Review 1, 2

 


Leave a Reply