الأخبار الكاذبة

الصحافة في مواجهة المعلومات المضللة

يعتبر التحقق من صحة المعلومة من أسس العمل الصحفي. لكن الحقيقة أن جائحة كورونا جعلت هذه المهمة أكثر أهمية. فكيف لجرعة فيتامين كبيرة أن تعالج كورونا؟ وكيف تتسبب شبكة الجيل الخامس الخلوية في ظهور وانتشار الفيروس التاجي. مثل هذه المعلومات التي تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي يمكن رصدها وحذفها. وهذا ما تقوم به بالفعل تويتر على سبيل المثال. لكن ماذا تفعل إذا خرجت شخصية بحجم رئيس الولايات المتحدة لتقديم نصائح عن إمكانية علاج كورونا عن طريق الحقن المطهرة … إذا كيف تتعامل الصحافة مع مثل هذه المواقف؟

جامعة هارفارد لديها مقال يتناول تأثير الأخبار الكاذبة في مجال الإعلان. وهذه التجربة جديرة بالملاحظة. سنتناول في الفقرات التالية الجهود المبذولة في إطار الأخبار الكاذبة. لكن بداية دعوني أعرض عليكم الفرق بين الأخبار الكاذبة والأخبار الخاطئة

المؤسسات الدولية تتحرك في مواجهة الأخبار الكاذبة

مركز الصحافة الأوروبي

نشر مؤخرا “الدليل إرشادي لكشف المعلومات المضللة“، والذي يقدم معلومات قيمة حول الخطوط العريضة للتعامل مع المعلومات المضللة. يتحدث الدليل عن ضرورة أن يتبنى الصحفيون طريقة التفكير المعقد، ولا يستسلموا للتفسيرات المباشرة والسطحية للمعلومات

اليونسكو

نظمت جلسة حوارية عبر الإنترنت في اليوم العالمي لحرية الصحافة. وتناولت الجلسة أهمية الإعلام الحر في تزويد الجمهور بالمعلومات الموثوقة. كما تناولت الدور الذي تلعبه الصحافة في مواجهة المعلومات المضللة في ظل جائحة كورونا. أيضا قدمت اليونسكو تقريرا عن “الاتجاهات العالمية على صعيد حرية التعبير وتطوير وسائل الاعلام للعام ٢٠٢٠ في زمن كوفيد١٩”. التقرير ينظر بعين فاحصة للمشهد المعلوماتي المحيط بالجائحة. ويستشهد ببعض البحوث التي تفيد بأنه من أصل ١٧٨ مليون تغريدة نشرت بخصوص الجائحة. فإن قرابة ٤٢٪ منها حرر بواسطة تطبيقات روبوتات، و٤٠٪ من هذه الرسائل غير موثوقة المصدر. وفي هذا الإطار تقول المديرة العامة لليونسكو أودري أوزلاي أنها تثمن تفاني الصحفيين الذين يجازفون بأرواحهم لتزويدنا بالمعلومات الصحيحة

المعهد الدولي للصحافة – فينا

أصدر المعهد تقرير حول الأزمة الصحية العالمية. وقال فيه أن الأزمة الصحية التي يواجهها العالم أتاحت للدول – الديمقراطية والاستبدادية على حد السواء – زيادة سيطرتها على وسائل الإعلام. وذلك تحت ذريعة محاربة نشر المعلومات المضللة والمغلوطة. التقرير رصد ١٦٢ حالة خرق لحرية الصحافة خلال الشهرين الأخيرين، وكلها تتعلق بأزمة تفشي فيروس كورونا

الجهود الأكاديمية تتحرك في مواجهة الأخبار الكاذبة

جوان دونفان – مديرة مركز أبحاث التكنولوجيا والتغير الاجتماعي في جامعة هارفرد الأمريكية
جوان دونفان – مديرة مركز أبحاث التكنولوجيا والتغير الاجتماعي في جامعة هارفرد الأمريكية

تقضي جوان دونفان جل وقتها في تتبع دورة حياة حملات التلاعب الإعلامي. تقول أن مهمة الباحثين هي مواجهة السرد الهائل للمنصات والتدقيق في محتواها

لجنة الصحافة في جامعة كاليفورنيا ـ بيركلي – ناقشت في وبنار افتراضي دور وسائل الإعلام في تغطية كورونا

ويد ويسرمان عميد كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كاليفورنيا ـ أحد المشاركين في الوبنار

يقول ويد ويسرمان أن أحداث الجائحة وضعت مستقبل الصحافة على المحك. وذلك لأن الجائحة تحمل العديد من الأبعاد المحيرة والمعلومات المتواضعة. فضلا عن أن تداعيات الجائحة على المؤسسات الصحفية أدت إلى تسريح نحو ٤٠٪ من الصحفيين. ومن ثم فإن نقص الكوادر يؤثر سلبا على عمق التغطية الصحفية. لكن مع ذلك فإن الصحفيين يقدمون تغطيات جيدة لأحداث الجائحة. ونصح ويسرمان الصحفيين ضرورة مد جسور مع الباحثين. وذلك لأنهم لديهم تاريخا من العمل الموثوق والدقيق علميا من أجل الحافظ على مستوى دقيق من التقارير الإخبارية

جون وسترز برغ أستاذ الصحة العامة وأحد المشاركين في الوبنار

أما جون وسترز برغ فيقول أن المعلومات التي وصلتنا عن الفيروس التاجي كانت قليلة. وهو ما جعلنا نعتمد على مجلات غير محكمة. لكن المشكلة الأكبر هي أن المعلومات التي تصلنا من البيت الأبيض تكون مربكة، ولا يمكن الوثوق فيها باستمرار

صحافة المواطن في مواجهة الأخبار الكاذبة

بن كولينز مراسل شبكة إن بي سي

يقول بن كولينز أن شبكات التواصل الاجتماعي تتحمل قدر كبير من المسؤولية عن المحتوى الذي يعرض على منصاتها. لكن من جهة أخرى فإن السوشيال ميديا تعمل على تدريب خوارزميات لديها للتعرف على عدد النسخ المخلقة من المعلومات الخاطئة. ومن ثم تتعلم الآلة تحديد المعلومات الخاطئة وكبح انتشارها

أما صحيفة “تكساركانا جازيت” فلديها تحقيق حول تجربتها لنقل العمل إلى المنزل. تقول أن التحدي الرئيسي الذي يواجه الصحفيين أنهم وجدوا أنفسهم يتعاملون مع كم كبير من القصص حول الجائحة. لكن التفاعل وجها لوجه مفقود، فأقصى ما يمكن فعله هو الوصول للمعلومة عبر هواتفهم

قصة طريفة

في ٣٠ مارس ٢٠٢٢، أعلنت الحكومة الهندية أغلاق قرية هاردولي في مقاطعة ماديا براديش. وذلك لمدة ثلاثة أسابيع بعد تفشي كورونا فيها. وفرضت على ستة عائلات كانت عائدة للتو إلى القرية ضرورة الخضوع للفحص. العائلات كانت خائفة ولم تمتثل للتعليمات. تولى أحد المواطنين من بينهم دور الصحفي لنقل القصة كاملة إلى شبكة “سي جي نت سوارا”. وهي شبكة مختصة في نقل الأخبار المحلية. الشبكة تولت نقل القصة التي وصلت إلى السلطات. فبادرت السلطات من جهتها وأرسلت بعثة طبية لزيارة العائلات والكشف عليهم. ولاحقا جاءت النتائج سلبية، وزال الخوف من القرية

تقول شبكة “سي جي نت سوارا”، أننا نركز على إحداث تغيير ملموس في مجتمعنا. وذلك عبر نموذج صحافة المواطن. يصلنا يوميا نحو ٨٠ أتصال للإبلاغ عن قصص تتراوح ما بين مشاكل محلية وفعاليات فولكلورية. نحن من جانبنا نتولى التأكد من صحة هذه القصص قبل نشرها. وقد حققت تقاريرنا الإخبارية تأثيرا ملموسا، وساهمت في حل مشاكل المجتمعات المحلية. خلال الأعوام العشرة الماضية نشرنا نحو ٧٠٠ تقرير. في إطار توسيع نموذج صحافة المواطن قمنا بتطوير منصة بمساعدة طلاب قسم الصحافة في جامعة  سنت زيفيرز في مومباي. وقد ساهم ذلك بشكل فعال في الحصول على مزيد من القصص المحلية

ما يمكن أن نقرأه من هذا الطرح أن الصحافة تحتاج في مواجهة المعلومات المضللة إلى ثلاثة أدوات

 أولا أدلة إرشادية كتلك التي توفرها المؤسسات الدولية. والتي أشرنا إلى رابطها في هذا المقال. ثانيا المصادر، وذلك عبر خلق جسور مع المحترفين للتأكد من صحة القصص الإخبارية قبل بثها . ثالثا التفكير خراج الصندوق. سواء بتبني نموذج غير تقليدي كصحافة المواطن، أو الاعتماد على التكنولوجيا (توظيف الذكاء الاصطناعي)، أو حتى بالتحليل العميق للمعلومات

المصادر:ـ

BBC

Columbia Journalism Review

Verification Handbook | DataJournalism.com

Journalism without fear or favor

UNESCO

EURONEWS

IJNET

Berkeley News

Texarkana gazette