كيف تحل المشاكل؟

كيف تحل المشاكل؟ حياتنا مليئة المشكلات، وعلى الرغم من أن لكل مشكلة سماتها المختلفة، إلا أن حل جميع المشكلات يخضع في النهاية لنفس التكنيك. ويعتبر طرح الأسئلة هو الخطوة الأولى التي غالبا ما تساعدنا في اكتشاف المشكلة التي نواجهها، وفهم كل جوانبها، والتعرف على الهواجس التي تعتري أصحاب المصلحة، وتوقعاتهم، ومن ثم فهم المشكلة في سياق شامل. بهذا الأسلوب يمكنك أن تتجنب المشتتات وتقترب بشكل كبير من حل المشكلة. السؤال الآن كيف تسأل؟

لتعرف كيف تسأل، عليك أولا أن تعرف أنواع المشاكل، وكيفية صياغة الأسئلة بطريقة تساعدنا على جمع البيانات للإجابة على هذه التساؤلات. أيضا ستحتاج إلى معرفة أنواع البيانات المختلفة التي سنجمعها. وأخيرا كيف نعيد الربط بين هذه البيانات ليكتمل البازل، وهذا يتطلب منا استراتيجية تفكير منظم. بهذه الطريقة يمكننا تفتيت المشكلة إلى خطوات صغيرة وتحديد الخيارات والفرص المتاحة لحل كل خطوة، ومن ثم يقودنا في النهاية إلى حل المشكلة بدقة

خطوات حل المشكلة

ولنبقيك في الصورة الأكبر لعملية حل المشكلة، فإن حل المشكلة كما قلنا في الفقرتين السابقتين، يبدأ بالتساؤل. وهذا التساؤل يساعدنا على تفتيت المشكل وتحديد البيانات المطلوبة للإجابة على التساؤل. يأتي بعد ذلك خطوة الإعداد. في هذه الخطوة نقوم بتحديد مصادر البيانات وطريقة الجمع والتخزين ونظام الأمن. ولتنفيذ تلك الخطوة عليك أن تجيب على سؤالين: ما الذي أحتاجه لحل المشكلة؟ وما هو البحث الذي يجب علي القيام به؟

الخطوة الثالثة هي معالجة البيانات. هنا عليك أن تجمع البيانات من مصادرها المختلفة وتضعها في حاوية واحدة، أو ما يطلق عليه قاعدة بيانات. ثم تقوم بتنظيف البيانات والتخلص من كل الأخطاء والتناقضات والتحيز. لتنفيذ ذلك عليك أن تسأل: ما هي الأخطاء التي تعترض طريقي في الحصول على أفضل إجابة ممكنة للمشكلة التي أحاول حلها؟ كيف يمكنني تنظيف بياناتي حتى تكون المعلومات المتوفرة لدي أكثر اتساقًا؟

بعد ذلك تأتي الخطوة الرابعة وهي التحليل. هذه الخطوة تتضمن اجراء استعلامات معقدة لدمج البيانات من عدة جداول، وعمليات حسابية، وعمل جداول نهائية بنتائج عملك. هنا أيضا أنت تسأل نفسك ٣ أسئلة: ما هي القصة التي تريد البيانات أن تخبرني بها؟ وكيف ستساعدني على حل المشكلة؟ ومن هم الذين يستخدمون منتجات وخدمات الشركة؟ في هذه الخطوة تكون تقريبا قد توصلت لنتائج مبدئية للإجابة على التساؤلات التي طرحتها في أول الرحلة. يبقى الآن أن تضع هذه النتائج في سياق واحد ليساعدك ذلك على تحديد الخيارات المناسبة للحل

هذا هو دور الخطوة الخامسة، وهي المشاركة. في هذه الخطوة أنت تقوم بتلخيص نتائج التي توصلت إليها في المرحلة السابقة في شكل رسوم مرئية بهدف توضيح الصورة لأصحاب المصلحة، وتقديم التوصيات التي تقود لقرارات أكثر استنارة. لتكون هذه الخطوة فعالة عليك أن تسأل نفسك: كيف يمكنني أن أجعل ما أقدمه إلى أصحاب المصلحة جذابًا وسهل الفهم؟ وكيف سيساعد ذلك العرض في تلبية احتياجات وتوقعات أصحاب المصلحة. وهذا يقودك للخطوة الأخيرة وهي المشاركة في اتخاذ القرار

الآن نعود للنقاط الثلاثة التي تناولناها في بداية كلامنا وهي: أنواع المشاكل، وأنواع البيانات، واستراتيجية التفكير المنظم

أنواع المشكلة

ربما تكون المشكلات صغيرة أو كبيرة، بسيطة أو معقدة، ولا توجد مشكلة مثل أخرى. وكل مشكلة لها طريقتها في الحل. ولكي تحل المشكلة عليك أولا أن تحدد نوع المشكلة. هناك ٦ أنواع من المشاكل. فربما تكون مشكلة الشركة أنها بحاجة للتنبؤ بالمستقبل، أو ربما تحتاج إلى اكتشاف شيء غير عادي، أو ربما لديها فوضى وتحتاج إلى تنظيم، أو إلى نظرة شمولية للموضوع، أو ربما بحاجة إلى اكتشاف الروابط والعلاقات بين الأشياء، أو ربما تحتاج إلى اكتشاف النمط الناجح في السوق لتقلده. دعونا نلقى بعض الأمثلة لنتعرف عن قرب على كل نوع من هذه الأنواع

مشاكل تتعلق بالتنبؤ بالمستقبل. تماما مثل تحليل البيانات المتعلقة بالأحوال الجوية وحركة الرياح والسحب. سيساعد ذلك هيئة الأرصاد في التنبؤ بحالة الطقس، واتخاذ إجراءات استباقية، كأن تبلغ المواطنين باحتمال هطول أمطار، أو ترفع حالات التأهب في فرق الإنقاذ إذا كان ثمة أعاصير على وشك أن تضرب المدينة، وهكذا

مشاكل تتعلق باكتشاف شيء غير عادي. شهدت مدرسة حكومية في أحد الولايات زيادة مفاجئة في عدد الطلاب الجدد القادمين للتسجيل فيها، بنسبة تصل إلى 30 ٪، وهذا يفوق طاقة المدرسة الاستيعابية. لذا تحتاج المدرسة لاكتشاف السبب وراء هذه الزيادة للتعامل معها. وبالتحليل تبين للمدرسة أنه تم بناء العديد من الوحدات السكنية الجديدة في الحي، وهو ما يعني زيادة عدد الأسر التي قدمت للسكن في هذا الحي

مشاكل تتعلق بتصنيف الأشياء. تهدف شركة لتحسين رضا العملاء. وللقيام بذلك تحتاج إلى تصنيف مكالمات خدمات العملاء وفق درجة الرضا. سيساعدها ذلك في تحديد ممثلي خدمة العملاء الأفضل أداءً وتحديد الإجراءات المتخذة بدرجات أعلى من رضا العملاء

مشاكل تتعلق بالنظرة الشمولية. لقياس أداء الشركة، تقوم الشركة بتصنيف الموظفين حسب الإدارات، وداخل كل إدارة تقسمهم إلى قسمين، الموظفين الأعلى أداء والأقل أداء. هذا سيساعد الشركة على فهم السبب وراء جودة الأداء بشكل عام، والمشاكل التي تتسبب في ضعف الأداء بشكل عام، ومن ثم اتخاذ القرارات المناسبة لتحسين أداء الشركة

مشاكل تتعلق باكتشاف الروابط. شركة شحن تعاني من بطء عمليات التسليم وعدم انضباط التسليم في الوقت المحدد. راجع المحللون الجداول الزمنية للتسليم واكتشفوا العلاقات بين أوقات محددة والتسليم في الوقت المحدد. وبناء على ذلك أوصوا بإعادة تعديل جداول التسليم في أوقات مختلفة وهي الأوقات الأنسب للتسليم

مشاكل تتعلق بإيجاد أنماط. تستخدم شركات التجارة البيانات لفهم عادات الشراء لدى العملاء في أوقات معينة على مدار العام. فقد يجدوا أن العملاء يشترون المزيد من السلع المعلبة قبل الإعصار مباشرة، أو يشترون عددًا أقل من إكسسوارات الطقس البارد كالقبعات والقفازات خلال الأشهر الأكثر دفئًا. يمكن لشركات التجارة استخدام هذه الأفكار للتأكد من أنها تقوم بتوفير كميات مناسبة من المنتجات في هذه الأوقات

أنواع البيانات

البيانات هي مجموعة من الحقائق، عند تحليلها يمكننا أن نكتشف أنماط ورؤى مهمة تساعدنا في اتخاذ قرارات مستنيرة. هذه البيانات يمكن تصنيفها إلى نوعين أساسيين

بيانات كمية. وهي تلك البيانات التي تدور حول حقائق يمكن قياسها بالأرقام. وهي غالبا تكون للإجابة على أسئلة: ماذا؟ وكم؟ وكيف؟ التي تتعلق بالمشكلة التي نبحث فيها. مثل، كم عدد الركاب الذين يستقلون القطار إلى العمل كل أسبوع؟ تتميز هذه البيانات بالدقة والتأكد

بيانات كيفية. وهي تلك البيانات التي تصف خصائص الأشياء، وهي لا يمكن قياسها رقميا، مثل لون الشعر. وهذه البيانات تساعدنا في الإجابة على سؤال لماذا؟ مثل لماذا قد يحب الأشخاص أحد المشاهير أو الوجبات الخفيفة أكثر من غيرهم

باستخدام البيانات الكمية، يمكننا رؤية الأرقام مصورة على شكل مخططات أو رسوم بيانية. بينما يمكن للبيانات النوعية أن تمنحنا فهمًا عالي المستوى لفهم سبب كون الأرقام على ما هي عليه. هذا مهم لأنه يساعدنا على إضافة سياق للمشكلة

استراتيجية التفكير المنظم

تخيل أنك أمام 500 قطعة من البازل، لكنك للاسف ضيعت الصورة الأصلية، كيف يمكنك أن تعيد بناء الصورة؟ سيصبح الأمر صعب جدا أو يكاد يكون مستحيل. هذا بالضبط هو التحدي الذي يواجه محللي البيانات، وهو تحديد المشكلة بوضوح، فكلما كانت الصورة واضحة، كان من السهل عليك تحليل المشكلة والوصول للحل. يقول أينشتين، لو أن لدي ساعة واحدة لأنقذ الكوكب، سأقضي منها 59 دقيقة لتحديد المشكلة، ودقيقة واحدة للحل. يبدوا أن كلام اينشتاين صحيحا، فتحديد المشكلة سيوفر الوقت والمال والموارد. وهذا ما يفعله التفكير المنظم. التفكير المنظم هو عملية التعرف على المشكلة أو الوضع الحالي، وتنظيم المعلومات المتاحة، واكتشاف الثغرات والفرص والخيارات المتاحة. معنى ذلك أنه سيكون أمامك قائمة واضحة بما يتوقع منك تقديمه، وجدول زمني للمهام والأنشطة الرئيسية، ونقاط التفتيش التي ستركز عليها

نقطة البداية في التفكير المنظم هي تحديد مجال المشكلة. بمعنى تحديد هل المشكلة تتعلق بمجال بشري كالموظفين أو العملاء مثلا، أم بمجال تقني كالآلات والبرمجيات، أم بمجال إداري كالخطط والتنظيم، أم بمجال مالي كالتدفقات المالية والموارد، وهكذا. سيساعدك ذلك على وضع الفرضيات قبل البدء في التحقيق. ومن ثم تكون مستعد للتعامل مع العقبات التي قد تظهر أمامك اثناء التحليل

النقطة التالية هي تحديد مجال العمل. ويقصد بمجال العمل هنا نظام العمل المتبع في الشركة أو المشروع، مثل تفاصيل العمل وخرائط التدفق والجداول الزمنية، والتقارير. ويمكن تقسيمها إلى أربعة مجالات أساسية: المخرجات، الجدول الزمني للعمل، المعالم الأساسية، التقارير

النقطة الثالثة هي الاقتراب أكثر من البيانات التي ستساعدنا في حل المشكلة، وذلك بالإجابة على التساؤلات التالية

من جمع البيانات، وما الذي يدور حوله؟ – متى تم جمع هذه البيانات؟ – أين تم جمع البيانات؟ – لماذا تم جمع هذه البيانات في الأساس؟ – كيف تم جمع هذه البيانات، وكيف ترتبط هذه البيانات بالبيانات الأخرى؟ – ماذا تمثل البيانات في هذا المشروع؟

النقطة الرابعة هي صياغة أسئلة محددة تدور حول المشكلة. فبعد أن حددت مجال المشكلة ومجال العمل وتعرفت عن قرب على البيانات، جاء الوقت لتطرح أسئلتك بذكاء حول المشكلة

أنتبه !! بعض الأسئلة ضارة فلا تسأل مثل هذه الأسئلة

الأسئلة القائدة التي تقودك لإجابة محددة، مثل السندوتش لذيذ أليس كذلك؟

الأسئلة المغلقة التي تدفع لإجابات مقتضبة، ومن ثم لا تقدم معلومات وافية، مثل هل كنت سعيد بنشأتك في ماليزيا؟ الإجابة قد تكون نعم أو لا فقط

الأسئلة الغامضة وهي أسئلة مثل “هل تحب الشيكولا أم الفانيلا؟” السؤال غير محدد، هل تتحدث عن الأيس كريم، الكيك، البودينج .. ألخ. ثم ماذا لو لم يكن الشخص يحب أيا منهما!! هذه الأسئلة غامضة وتفتقر للسياق

أما الأسئلة الذكية فهي أسئلة محددة، وقابلة للقياس، وقابلة للتطبيق، ومرتبطة بالمشكلة، ومقيدة بزمن

Specific, Measurable, Action-oriented (attainable), Relevant and Time-bound

الأسئلة المحددة. وهي الأسئلة التي تركز على موضوع واحد أو عدد قليل من الأفكار ذات الصلة الوثيقة. سيساعدك ذلك على جمع المعلومات ذات الصلة بما تقوم بالتحقيق فيه. فمثلا، بدلاً من طرح سؤال مغلق، “هل يحصل الأطفال على ما يكفي من الأنشطة البدنية هذه الأيام؟” اسأل ما هي النسبة المئوية للأطفال الذين يحققون 60 دقيقة الموصي بها من النشاط البدني خمسة أيام على الأقل في الأسبوع؟ هذا السؤال أكثر تحديدًا ويمكن أن يوفر لك المزيد من المعلومات المفيدة

الأسئلة القابلة للقياس. هي أسئلة كمية أي تتعلق بالأرقام التي يمكن قياسها وتقييمها. فمثلا، بدلا من أن تسأل “لماذا انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع؟”، يمكنك أن تسأل كم مرة تمت مشاركة هذا الفيديو على السوشيال ميديا في الأسبوع الأول من نشره؟. هذا السؤال قابل للقياس ويتيح لنا حساب عدد مرات المشاركة، والوصول إلى رقم محدد

الأسئلة القابلة للتطبيق. هي أسئلة تحفز على التغيير. فمثلا، بدلا من أن تسأل ” كيف يمكننا أن نجعل العملاء يعيدون تدوير عبوات منتجاتنا؟”، يمكنك أن تسأل ما هي ميزات التصميم التي ستجعل إعادة تدوير عبواتنا أسهل؟. هذا يجلب لك الإجابات التي يمكنك التصرف بناءً عليها

الأسئلة ذات الصلة بالموضوع. يجب أن تكون وثيقة الصلة بالموضوع الذي نحقق فيه. فمثلا، إذا كنت تبحث في مشكلة أنواع الضفادع المهددة بالانقراض، لا تسأل “لماذا بدأت ضفادع شجر الصنوبر في الاختفاء؟”، هذا السؤال ليس ذو صلة بالموضوع لأنه لن يساعدنا في إيجاد طريقة لمنع هذه الضفادع من الانقراض. الأفضل أن تسأل، ما هي العوامل البيئية التي تغيرت في غابات ولاية كارولينا الشمالية بين 1983 و 2004 والتي يمكن أن تتسبب في اختفاء ضفادع شجر الصنوبر؟ هذا السؤال يساعدنا على اكتشاف حل للمشكلة

الأسئلة المقيدة بزمن محدد. المثال السابق يعتبر أيضا مثالا يوضح أهمية التقيد بفترة زمنية محددة. سيساعدك ذلك على التركيز على البيانات ذات الصلة بالموضوع، وتضييق الاحتمالات

المهم وأنت تصيغ أسئلتك أن تضع في اعتبارك عامل العدالة، بمعنى أن تتأكد من أن أسئلتك لا تحمل أي تحيز أو تعززه. لاشك أن الممارسة المستمرة هي ما يعزز ويطور من طريقتك في التفكير المنظم. الأمر كله مرهونا بمحاولاتك المستمرة

أقرأ أيضا

ما هي صحافة البيانات؟
من هم محللو البيانات؟
كيف تفكر؟

Leave a Reply