صحافة البيانات

data journalism
صحف - صحافة البيانات

الأخبار تملأ فضاء الإنترنت. الجميع يتكلم ويتناقل. ومن ثم فإن السبق الصحفي لم يعد معيارا الأخبارللمفاضلة بين المؤسسات الصحفية. لاسيما بعد ظهور لاعب جديد في ساحة الأخبار، ألا وهو صحافة المواطن. لذلك أصبحت المنافسة على مدى الدقة والعمق والشفافية في المحتوى الذي تقدمه. وهذا فرض على المؤسسات الصحفية لونا جديدا من الصحافة، ألا وهو صحافة البيانات

فليس من المهم أن تنقل خبر عن أنهيار بنك ما، فالخبر منتشر على الإنترنت. المهم هو أن تقدم قصة إخبارية تخبر الناس باحتمال بوادر ازمة اقتصادية كبيرة. وذلك بسبب انهيار هذا البنك. ليس من المهم أن تنقل أخبار الزلزال. المهم هو أن تقدم صورة أوسع عن حجم الفساد في سوق العقار. أو ربما ضعف الجهاز الإداري الحكومي في التعامل مع الأزمة، وهكذا. من هنا تبدأ مهمتك … أهلا بك في صحافة البيانات

عندما انتشرت جائحة كورونا في 2020، أطلق موقع وورلد ميتر احصائيات يتم تحديثها لحظيا. وكانت تشمل حجم الوفيات، والتعافي من المرض حول العالم. الأرقام متاحة للجميع، لكن القضية كلها تكمن في كيفية تحليل الارقام، وتحويلها إلى قصة تلمس واقع الناس ومستقبلهم. وهذا ما تقوم به صحافة البيانات، فما هي إذا صحافة البيانات؟

ما هي صحافة البيانات؟

صحافة البيانات هي فن تحويل الارقام إلى قصة إخبارية تهم الناس وتلمس واقعهم ومستقبلهم. هنا يقوم الصحفي بعمل مقابلة، ليس مع شخص، وإنما مع البيانات مباشرة. يطرح عليها الأسئلة فتجاوبه بما لديها. يعتمد صحفي البيانات على تحليل البيانات والخروج منها بنتائج جديدة، وتبيسيطها في شكل قصة. القصة هنا قد تأخذ شكل خريطة، فيديو، مقال، رسم بياني، بوسط على السوشيال ميديا، ألخ. المهم أن تحظى بتفاعل الجمهور معها. لكن، أين أجد هذه البيانات؟

هذه البيانات موجودة حولنا في كل مكان، ستجدها في مواقع المؤسسات الحكومية، والدولية. وفي أرشيفات الوزارات، والشركات، وفي نتائج البحوث العلمية. وفي كل أشكال المعلومات. سواء الأشكال المنتظمة مثل قواعد البيانات. أو الأشكال المتناثرة مثل الوثائق وصفحات الويب وغيرها من الملفات. بعض هذه البيانات متاحة للجميع، وبعضها سرية. وتأخذ أحد شكلين، إما بيانات كمية وهي تلك التي يمكن إجراء عمليات حسابية عليها مثل المساحات والأحجام والأعداد. أو بيانات وصفية مثل طول الأشخاص وأعمارهم وبشرتهم ودياناتهم وجنسيتهم وهكذا

وإذا كانت البيانات موجودة حولنا في كل مكان، فهل معنى ذلك أن أي صحفي يستخدم البيانات هو صحفي بيانات؟ بالطبع لا. فالصحفي العادي يهتم بجمع المعلومات المتاحة أمامه من مصدر واحد (مثل وكالات الأنباء) فيعيد تحريرها ونشرها. وللأسف فقد بدأ الذكاء الاصطناعي ينافس الصحفيين في هذا المجال. ومن ثم بدأ الصحفيين يتحولون تدريجيا لشركات العلاقات العامة والتسويق، مقابل أجور منخفضة. أما صحفي البيانات فيعتمد على جمع المعلومات من عدة مصادر موثوقة. ولديه مهارات متخصصة في معالجة البيانات وتحليلها، ثم تحويلها إلى قصة سهلة الفهم. ومن ثم فهو يحكي لنا القصة الحقيقية في سياقها الأوسع. وذلك استنادا إلى حقائق ملموسة. وهذا المجال لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقتحمه أبدا. وذلك لأنه مبني على الأفكار والنوايا البشرية، وهو ما لا يمكن التنبؤ به. وحتى إذا تطور الذكاء الاصطناعي ليقترب من هذا المستوى، سيظل بحاجة لعلماء البيانات لأدارته وإعادة صياغة مخرجاته

هل صحافة البيانات هي الصحافة الاستقصائية؟

السؤال التالي .. هل صحفي البيانات هو نفسه الصحفي الاستقصائي؟. الصحافة الاستقصائية هي مظلة واسعة ولها أشكال كثيرة. منها صحافة البيانات، ومنها صحافة البابرازي لتتبع المشاهير. ومنها ايضا التخفي وسط عصابة أو متسولين. وكذلك تجنيد المصادر للحصول على التسريبات (مثل ويكليكس). وقد تتكامل هذه الأشكال مع بعضها لصناعة التحقيقات الاستقصائية والأعمال الوثائقية. ومن ثم يمكن أن نقول أن صحفي البيانات هو أحد الجنود المخلصين في مملكة الصحافة الاستقصائية

وهذا الجندي المخلص يعمل في مجال أشبه ما يكون بالأرض الواسعة المجهولة. فللوهلة الأولى، تحير البيانات الخام، في صورتها البدائية المجردة، العيون والعقول. ولكي يستطيع هذا الجندي السير في هذه الأرض دون أن يتوه، يحتاج إلى بوصلة وأدوات ملاحة. فما هي تلك الأدوات؟

أدوات صحافة البيانات

أدوات تقصي الأخبار: مثل جوجل ترند وجوجل ألارت. وهي تساعد الصحفي في متابع المواضيع الأكثر شيوعا والحصول على أحدث المعلومات حول هذه المواضيع

محركات البحث: تتعدد محركات البحث التي يستخدمها الصحفي. وقد تناولنا أهم المحركات المستخدمة في صحافة البيانات في مقال “ماذا يحدث إذا اختفى جوجل؟

أدوات جمع البيانات (التجريف): هناك عدد كبير من الأدوات المتنوعة والمجانية المستخدمة لاستخلاص البيانات من الملفات المختلفة وتحويلها إلى جداول. مثل جمع البيانات من ملفات بي دي أف، أو من صفحات الويب أو من الصور

أدوات التحقق من البيانات: وتتضمن العديد من الأدوات الفرعية منها

أدوات التحقق من هوية الأشخاص: مثل وويب مي

التحقق من المواقع: مثل خرائط جوجل

أدوات التأكد من صحة الميديا: مثل  صور جوجل، وتيني أي ، وياندكس

أدوات معالجة البيانات: ويبدأ ذلك من جداول الأكسل البسيطة، وانتهاءا بقواعد بيانات معقدة. كلها تطبيقات مهمتها جمع البيانات في جداول واجراء المعالجات الحسابية عليها، وتقديم تقارير بشأنها

أدوات إخراج البيانات: وهي تطبيقات مهمتها تحويل الارقام الموجودة في الجداول إلى رسوم بيانية. ومن أمثلتها أدوبي إلاستريتور، وكنفا، وإكسل، وبعض المواقع المتخصصة في إنتاج الخرائط التفاعلية. وقد يحتاج الصحفي إلى تعلم لغات البرمجة مثل البياثون والأر، أو الاستعانة بمبرمج لعمل رسوم تفاعلية مرتبطة بهذا الجداول

من الصعب أن نسرد هنا هذه الأدوات نظرا لتشعبها وتجددها بشكل مستمر. إلا أن فهم المبادئ الأساسية المتعلقة بصحافة البيانات تساعد لحد كبير في اقتحام هذا المجال. وهذا يعني أن صحفي البيانات يحتاج للتعلم المستمر واكتشاف الأدوات الجديدة وتعلم العمل عليها. وبقدر ما يستطيع إتقان هذه الأدوات، بقدر ما يمكنه إنتاج قصص مبدعة واستخراج حقائق تائهة

خطوات إنتاج القصة المدفوعة بالبيانات؟

يمر العمل في صحافة البيانات بثلاثة مراحل رئيسية، وهي

أولا الحصول على البيانات: وتشمل هذه المرحلة جمع البيانات عن طريق البحث عن القصص المخبأة في البيانات. ثم التحقق من البيانات بشكل موثوق منه اعتمادا على الأدلة وتكنيكات محددة

ثانيا فهم البيانات: وتشمل تحليل كم هائل من البيانات باستخدام برمجيات إحصائية وأكواد الاستعلام في قواعد البيانات. ثم اختيار البيانات المناسبة من ذلك

ثالثا إنتاج القصة وتقديمها: وتشمل تصميم رسوم الجرافيك عن البيانات. ثم كتابة القصة الإخبارية اعتمادا على العرض البصري للبيانات (الجرافيك)

عليك أن تتذكر دائما .. أنت لا تحتاج إلى بيانات جديدة لتحصل على سبق صحفي .. فقط أعرف كيف تفسر الأرقام التي بين يديك. فبلاطة مخلوعة أمام بابك، خير من أحداث شغب في بلد بعيد

المصدر

دليل صحافة البيانات / د. نهى بلعيد ، ط1 ، تونس: الجمعية التونسية للحوكمة الالكترونية، 2019

One thought on “صحافة البيانات

Comments are closed.