وداعا صاحبة الجلالة

journalism
صحافة

وداعا صاحبة الجلالة .. نعم، على الرغم من أنه يتم الترويج للذكاء الاصطناعي بشكل شاعري كأداة لتحرير الصحفيين من الكدح حتى يتمكنوا من التركيز على الجوانب المهمة من عملهم، إلا أن الواقع أكثر خلاف ذلك .. هل صدمتك .. لنتعرف على الحقيقة معا

انتشارت أدوات الذكاء الاصطناعي المجانية على الإنترنت بشكل كبير في الأونة الأخيرة. ومن المتوقع أن نشهد مزيد من هذه النماذج مثل روبوتات الدردشة، وصناعة المحتوى المصورة والمكتوب. وهذه التقنية الجديدة تعمق مساحة الشكوك في مدى دقة وصدق ما تقدمه من محتوى. لاسيما وأن أدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت تتطور بشكل كبير كل يوم. وهذا يجعلنا غير قادرين على أن نحدد ما إذا كان المحتوى المقدم من صنع الإنسان أم الآلة

تغلغل الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام قد يؤدي إلى نتائج كارثية. صحيفة بيلد الالمانية قررت تسريح ثلث موظفيها، لأن الألة ستحل محلهم. وقال رئيس تحرير بيلد في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الموظفين.: “إن وظائف رئيس التحرير وفنان التخطيط والمصحح والناشر ومحرر الصور لن تكون موجودة في المستقبل كما نعرفها اليوم”

مخاطر الذكاء الاصطناعي على غرف الأخبار

تستخدم المؤسسات الإعلامية الذكاء الاصطناعي في العديد من مهام المكتبية. ومن أمثلة ذلك التوصية بالمحتوى، وتسجيل المقابلات، وترجمة مقاطع الفيديو. فضلا عن تحليل اهتمامات الجمهور وتفضيلاته ومشاركته. وكذلك تحسين محركات البحث (سيو). والتي تلقى الضوء على دور محركات البحث والسوشيال ميديا كحارس بوابات ومنسق المحتوى ومؤثر إعلامي كبير على الإنترنت

مع تطور النماذج اللغوية بشكل كبير، أصبحنا على أعتاب خروج الذكاء الاصطناعي من الأطراف واختراق قلب الصحافة. ونقصد بقلب الصحافة العملية الإبداعية. لقد اصبحت الألة قادرة الآن على رواية القصص وبأكثر من صيغة. صحيح أنها ما زالت في البدايات، لكنها تتطور كل يوم وتقدم محتوى منظم ومقروء. لا أخفيكم، أنا شخصيا لا اثق في مخرجات شات جي بي تي. غالبا ما أقوم بإعادة تحرير المحتوى من جديد بشكل كبير

إن استخدام الروبوت يكون بمثابة طاهٍ يقدم للضيوف وجبة بالميكروويف، أو خياطًا يبيع بدلات جاهزة، أو صانع خزائن يجمع أثاث ايكيا. إن كتابة مقال أو إنتاج فيديو يعد عملية إبداعية شاقة ومجهدة ذهنيا. الأمر ليس مجرد جمع المعلومات وترتيبها. هناك قيم ومعايير أخلاقية واعتبارات لا يمكن للآلة أن تتعلمها

وظائف تختفي

على اية حال فإن الواقع يشير إلى أن دخول الذكاء الاطناعي سيؤدي إلى القضاء على عدد من الوظائف الحيوية في غرفة الأخبار. ومن أمثلة ذلك وظائف ترجمة النصوص والفيديو (وليس الترجمة الفورية)، والتصحيح اللغوي. وكذلك وظائف تجميع المقالات، وتفريغ الفيديو. فضلا عن وظائف الأرشفة والوصف. وايضا وظائف التجهيز الأولي للمواد أو ما يعرف بالمومنتاج الأولي. وكتابة المقالات المعلوماتية التي لا تحتوي على رأي أو تحليل

من يبقى دخل غرف الأخبار؟

لن يكون الصحفيون المبتدئون أو المتوسطون أو الأقل شهرة محظوظين. فلن يبقى إلا كل من له قيمة حقيقية وعلم غزير ومهارات إبداعية لا يمكن استبدالها بالآلة. مثل المراسلين وكتاب الرأي والمذيعين، والمتخصصين في صحافة البيانات والصحافة الاستقصائية، والوثائقيات

عواقب وخيمة

لست متشائما، ولكنها الحقيقية. دعونا نلقي نظرة على الماضي. وظفت الصحف الأمريكية ما يقارب النصف مليون شخص في 1990. لكنها تدريجيا بدأت تسرح هذا العدد بسبب التكنولوجيا والإنترنت، ليصل غلى 183 ألف شخص في 2016. أي أنه تم تسريح 60% من العمالة في المؤسسات الصحفية. ومن ثم فإنه من المتوقع أن نواجه مشهد مماثل بسبب الذكاء الاصطناعي

الأمر لا يتوقف عند حد تسريح العمالة. فثمة عواقب اجتماعية وبيئية عميقة تنتج من الإندفاع السريع نحو الذكاء الاصطناعي. فالروبوتات تستهلك كميات هائلة من الطاقة. وتقدم محتوى غير دقيق، بل ربما مزيف في بعض الأحيان. وهو ما يعرف بالتزيف العميق. ومن ثم فإن الاعتماد المباشر عليه قد يؤدي إلى كوارث اجتماعية

كذلك الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في عمليات النشر على السوشيال ميديا يؤدي إلى تخصيص الأخبار. حيث أصبح استهلاك الأخبار شخصيًا للغاية ومدفوعًا بالخوارزميات. ومن ثم فهناك خطر تضييق نطاق تنوع وجهات النظر والحد من التعرض لوجهات النظر المتناقضة.

الخبر السار

ليس الأمر كله كئيباً. فصحيح أن الذكاء الاصطناعي فرض واقعا جديدا. إلا أننا علينا أن نتعامل معه بشكل واقعي وعملي. فتقنايات الذكاء الاصطناعي يجب أن تدخل في مناهج تعليم الصحافة. وفي ورش متخصصة لتدريب الصحفيين على كيفية التعامل مع هذه الأدوات وفقا لمعايير أخلاقية وقانونية مسؤولة

الخبر السار هنا أن الذكاء الاصطناعي سوف يحقق نوعا من الديمقراطية. فمجانية الذكاء الاصطناعي على الإنترنت ستتيح للمؤسسات الصغيرة أن تتواجد وتنافس بمحتوى رائع مع محدودية مواردها. الأمر في النهاية يتوقف على مهارات العمالة البشرية في استخدام هذه الأدوات وتوظيفها بشكل إبداعي. ومن ثم تقديم محتوى منافس مستندا على القيم الأخلاقية والاجتماعية والبيئية. ليبقى الإنسان هو الإنسان .. المسيطر

المصدر

الجزيرة | AI Contenfy