قصة الأخبار
كيف بدأت الأخبار؟
تبدأ قصة الأخبار في القرن الخامس عشر تقريبا. كان التجار في إيطاليا يرغبون في معرفة أخبار الدول المحيطة. وذلك من أجل توسيع تجارتهم. ومن أجل ذلك كانوا يبعثوا عبيد لهم إلى المواني لمعرفة أخبار الدول الأخرى من السفن التي تصل من هناك. ما هي البضائع التي تحملها السفن؟. وما هي أخبار الناس في تلك البلاد التي جاءت منها هذه السفن؟. ما هي طبائعهم واحتياجاتهم؟. إلى غير ذلك من الأخبار
فكر بعض التجار في عقد صفقات مع التجار الآخرين لجمع الأخبار وتوزيعها عليهم مقابل أجر. فبدلا من أن يرسل كل تاجر عبيده لتقصي الأخبار، سيقوم هؤلاء بجمع الأخبار وتنظيمها وتوزيعها بشكل دوري على التجار مقابل أجر. وبذلك كانت صناعة الأخبار الأولى حكرا على الطبقة البرجوازية والتجار الأغنياء. وكانت ترتكز في المقام الأساسي على رصد أخبار الأسواق والبضائع والحركة الأقتصادية. ثم يلي ذلك الأخبار السياسية وغيرها من الأخبار
تدريجيا تطور الأمر، ليتحول مندوبي الأخبار إلى مكاتب متخصصة تنتشر بالقرب من الموانئ. ومندوب الأخبار (صاحب مكتب الأخبار) لديه عدد من العبيد. البعض منهم يرسلهم لتقصي الأخبار (المراسلين). والمتعلمين منهم يجلسون لكتابة الأخبار وتنظيمها (غرفة الأخبار)
أخوان فوجرز
استمر الأمور على هذا الحال طوال القرن الخامس عشر والسادس عشر. وخلال تلك السنوات انتشرت فكرة مكاتب الأخبار في جميع موانئ إيطاليا وإنجلترا وألمانيا وفرنسا
وكان أشهر مندوبي الأخبار في هذا الوقت هم أخوان فوجرز. وهي عائلة ألمانية أرستقراطية تعمل في التجارة، وتحتكر سوق النحاس في أوروبا. وبفضل نفوذها كانت قادرة على جمع الأخبار، وتأسيس مكتب رئيسي لها في مدينة أوجزبرج، فضلا عن عدد من المكاتب المنتشرة في أوروبا. وقد أسست هذه الأسرة جريدة زيتنجن في الفترة ما بين ١٥٨٦ و ١٦٠٥. والتي كان لها الفضل في الربط بين دول أوروبا بالأخبار
ورغم ظهور الطباعة إلا أن المكاتب ظلت تعتمد على العبيد في نسخ الأخبار يدويا. واستمر الحال على ذلك على مدى ثلاثة قرون حتى القرن التاسع عشر. وذلك لأن القيود الحكومية والرقابة وقوانين النشر كانت تنصب على المطبوعات فقط. ومن ثم ضمنت الأخبار المنسوخة استمرار عملها بعيدا عن سلطة القانون
البريد وبداية الصحف
مع ظهور فكرة مكاتب الأخبار ظهرت خدمة البريد، والتي ساهمت في انتشار الأخبار. وكانت مكاتب البريد تبتكر خدمات عديدة. منها خدمة البريد الطائر والبريد المسائي والليلي والرسول الأسبوعي. ومع هذه الخدمات نشأت فكرة الصحف ووكالات الأخبار. والتي توزع الأخبار بشكل دوري. وهي تستند في عملها على خدمات البريد، ومكاتب الأخبار، وتكنولوجيا الطباعة
وفي ٣٠ مايو ١٦٣١ صدرت أول جريدة في العالم في فرنسا. وهي جريدة لاجازيت الأسبوعية. وكانت تنشر أخبار السياسة والمجتمع والبيئة. ثم ظهرت في إنجلترا صحيفة جرانت اليومية ١٧٠٢. ثم بدأت تظهر الصحف تباعا في جميع أنحاء العالم
المطلع على تسلسل الأحداث يجد أن الهدف الأساسي من صناعة الأخبار هو الإعلام. لكن الحقيقة أن تطور صناعة الأخبار جعلها تقدم وظائف عديدة في حياة البشرية حتى يومنا هذا
وظائف الأخبار
الوظيفة الأولى الإعلام: الفضول وحب الاستطلاع كان المحرك الأول لصناعة الأخبار. ومن ثم كانت الوظيفة الأولى التي تقدمها الصحافة هي إعلام الناس بأخبار الناس. ولذلك كان يجب أن توفر الصحف في أخبارها أكبر قدر من الوضوح والموضوعية. فضلا عن توثيق الأحداث، وربطها بمصادرها للتأكيد على دقتها ومصداقيتها. وأخيرا توفير قدر من الشروح والخلفيات والصور والرسوم حول المواضيع. وذلك يضمن قدر كبير من اكتمال القصة الإخبارية
الوظيفة الثانية الرقابة: يشمل ذلك مراقبة البيئة مثل أحوال الطقس، وأخبار الزلازل، والبراكين، والفيضانات. وكذلك مراقبة المجتمع مثل الكشف عن التلاعب، والفساد. مثل فضيحة واتر جيت.
الوظيفة الثالثة قيادة الرأي العام: فبفضل قدرتها على الاتصال الجماهيري أصبحت قادرة على قيادة الرأي العام وتوجيهه. مثال على ذلك، ما قامت به في ثورات الربيع العربي، وأثناء الانتخابات الأمريكية التي انتهت بفوز دونالد ترامب
الوظيفة الرابعة خدمة المجتمع: لا شك أن الأخبار تساعد الناس في حياتها اليومية. مثل أخبار أسعار البضائع، والعملات، وأحوال الطقس، وإعلانات الوظائف. والتوعية وقت الأزمات والجوائح.
ووفقا لهذا المنظور أصبحت الأخبار صناعة بمعنى الكلمة. ومن ثم صارت هذه الصناعة تلتزم بمعايير محددة
معايير صناعة الأخبار
يستخدم الصحفيين عدة معايير في تحديد الأحداث التي تستحق النشر. وهذا ما يطلق عليه معايير القيمة الإخبارية. وهذه المعايير هي
الحداثة: بمعنى أن الأخبار تعد سلعة سريعة التلف. لذا يجب أن تتسم بالحداثة. فلا فائدة من نشر أخبار قديمة، إلا لأغراض الدراسة التاريخية. وهذا ليس دور الأخبار
التأثير: بمعنى أن الخبر يجب أن يكون مرتبط بحياة الناس ويؤثر فيهم. فما فائدة نشر أخبار حفل أوبرا في أوروبا لمجتمع ريفي في صعيد مصر. هذا الخبر لا يؤثر فيهم ولا يهمهم أصلا. يجب تحديد الأخبار التي لها علاقة بالمجتمع الذي تنشر فيه وتؤثر فيه
الشهرة والغرابة: تهتم الصحف أحيانا بهذا المعيار، رغم أنه غير مهم. وذلك من باب الفضول الذي هو سمة بشرية. مثل أخبار المشاهير، وأخبار العجائب مثل أطول برج وأضخم سفينة، وأعجب مخلوق، وهكذا
الصراع: معيار مهم جدا في الأخبار. فالأخبار مبنية أساسا على فكرة القصة. والقصة لابد أن تتضمن صراع بين طرفين. حتى أن أحد رؤساء شبكة سي بي أس الأمريكية ينظر للأخبار على أنها أحد أشكال الدراما. وذلك لأن صناعة الأخبار تعتمد أساسا على اختزال المواقف واختصارها تماما كما تفعل الدراما في السنيما. الفارق بينهما أن هذه تمثيل، وتلك حقيقة
ولأننا لا نعيش في عالم مثالي، فثمة ما يجعل صناعة الأخبار محكومة بالعديد من المؤثرات التي تؤثر في صياغتها
العوامل المؤثرة في صناعة الأخبار
السياسة الإعلامية: وهي ببساطة وجهة نظر حكومة الدولة في طريقة صياغة ونشر الأخبار. والمحاذير التي يجب على المؤسسات الإعلامية ألا تقربها. وهذه السياسة الإعلامية تصاغ وفقا للعديد من الأمور. منها السياسة الداخلية والخارجية، والبيئة الاقتصادية، والقيم الاجتماعية، وخطط الدولة، وتوجهاتها.
السياسة التحريرية: وهي وجهة نظر إدارة المؤسسة الصحفية في طريقة صياغة ونشر الأخبار (في إطار السياسة الإعلامية). وهذه أيضا تصاغ وفقا للعديد من الأمور. منها مجال التخصص، وطبيعة المنافسة، والجمهور المستهدف، وأهداف المؤسسة.
القيم الشخصية والمهنية: أيضا تتأثر صناعة الأخبار بالقيم الشخصية للصحفيين. فهم بشر لديهم ميول وقيم وانتماءات. ومن ثم قد يؤثر ذلك في انتقائهم للأخبار، وطريقة صياغتها، ترتيبها. وهم أساس نظرية حارس البوابة. أضف إلى ذلك القيم المهنية ومدى احترامهم لها، مثل الشفافية والصدق وأمانة النقل وحماية المصدر
الجمهور: شئنا أم أبينا فالجمهور الذي يستهلك هذه الأخبار يتحكم فيها. فقيم المجتمع المحافظ تفرض نفسها على أجندة الصحافة. فلا يمكن مثلا نشر أخبار المثليين في مجتمع محافظ
مصادر الأخبار: المصادر التي تستقي منها المؤسسات الصحفية أخبارها تتحكم بدون شك في صناعة الخبر. فالمراسل الذي يغطي أخبار حرب أو زلزال ينقل مع الأخبار مشاعره، ويتأثر دون أدنى نشك بالظروف التي يعيش فيها ويغطيها. كل ذلك يؤثر في صناعة الخبر. أيضا وكالات الأنباء وهي مصدر أساسي لأغلب المؤسسات الصحفية. وهذه الوكالات تحدد نوع الأخبار التي تنشر، وطريقة توجيهها للمناطق المختلفة في العالم وفقا لأجندتها الخاصة. وهذا أيضا يؤثر بشكل في صناعة الخبر
وكما تتأثر صناعة الأخبار، فالناس أيضا تتأثر. وهذا ما نحكي عنه في سلسلة طراطيش كلام على اليوتيوب
وصناعة الأخبار تعد فن وعلم. يشمل ذلك كتابة الأخبار بدءا من الأخبار القصيرة ووصولا إلى التقارير المطولة. كذلك كتابة البرامج، وخطوات إنتاج المقابلات، وصناعة الأفلام الوثائقية. وكذلك كتابة النسخ الإعلانية. أكتشف المزيد هنا
المصدر
كتاب وسائل الإعلام السعودية والعالمية – محمد فريد محمد عزت، ١٩٩٠