تدقيق البيانات

تدقيق البيانات . “الأرقام لا تكذب ولكن الكذابين يكتبون أرقامًا” – مارك توبن

رغم قسوة هذه العبارة إلا أن فيها بعضا من الصحة. فصحيح أن الارقام لا تكذب، لكن الطريقة التي يتم بها تحويل هذه الأرقام إلى رسوم بيانية قد تؤدي إلى تحريف المعنى العام للقصة. قد يحدث ذلك عن عمد أو بالخطأ. ومن الأشكال الشائعة للمطبات التي يمكن أن يقع فيها الصحفي أثناء قراءته للرسوم البيانية المبنية على الأرقام ما يلي

فخ النسب المائوية. وهي تمثيل تقريبي للارقام، لكنها لا تعبر بدقة عن الوضع المثالي. فمثلا لو أعلنت الحكومة زيادة الأجور والمعاشات بنسبة 100% قياسا بالعام الماضي، فهذا لا يعني بالضرورة أمرا إيجابيا. فربما كان متوسط الأجر ألف وارتفع إلى ألفين، لكن القوة الشرائية للألفين انخفضت هذا العام كذلك بنسبة 100%، اي ان النتيجة واحدة، ولم يحدث أي تقدم في الأجور

فخ المقارنة. فليس من العدل المقارنة بين معدل الجريمة في مدينتين غير متقاربتين في تعداد السكان، إلا إذا كانت ثمة عينة مأخوذة بدقة وبطريقة علمية من كلا المجموعتين. أيضا مقارنة نتائج الشركة بين عامين لا علاقة لهما ببعض كالعام الحالي وقبل 3 أعوام مثلا. فهذا لا معنى له على الإطلاق

فخ غياب المصدر. يجب أن ينتبه الصحفي ولا يأخذ معلوماته من تقارير لا تكشف عن مصدر المعلومات، والعينة التي تم جمع المعلومات منها

تلك الافخاخ التي توجد داخل النصوص التي يتعامل معها الصحفي قد تؤدي في النهاية إلى معلومات مضطربة ومضللة، وربما مغلوطة أو على احسن تقدير .. غير دقيقة. والسؤال إذا .. كيف يمكن للصحفي التحقق من المعلومات ودقتها؟

المعلومات الخاطئة والمضللة

بداية علينا أن نعرف الفرق بين المعلومات الخاطئة والمضللة.

المعلومات الخاطئة

هي معلومات مزيفة وغير حقيقية ولا علاقة لها بالواقع. وغالبا ما يكون مصدرها هو الناس. فالناس ترى جزء من الحدث وتتناقله، ومع النقل تتغير القصة عن غير قصد، وتصبح المعلومة غير حقيقية ولا علاقة لها بالواقع. ايضا هناك من يختلق قصص لا تمت للواقع بصلة عن عمد بهدف إثارة البلبلة وشحن الرأي العام. ولا شك أن السوشيال ميديا هي البيئة الأكثر خصوبة لهذه المعلومات الخاطئة

المعلومات المضللة

هي معلومات صحيحة لكنها غير مكتملة. ومن أمثلة ذلك نشر أخبار عن بضع حالات وفيات ثر وباء، وتناوله على أن الدولة تفقد السيطرة على احتواء الموقف. بينما القصة المكتملة تشير إلى انخفاض نسبة الوفيات بشكل كبير خلال الشهر الأخير، وهو ما يشير إلى أن الدولة أحكمت السيطرة على الوباء. المعلومة الغير مكتملة هي معلومة حقيقية كما ترى، لكن عدم وضعها في السياق العام قد يضلل الرأي العام ويحدث ايضا بلبلة. هذه ايضا قد تحدث عمدا أو عن غير قصد

دورك كصحفي هنا هو التحقق من المعلومة قبل نشرها. ويأتي ذلك عبر 3 مراحل

المرحلة الأولى التأكد من دقة المحتوى. يتطلب ذلك منك أن تجمع القصة من كل زواياها، من أجل فهم السياق العام للحدث. هذا بالضرورة سجعلك تتعرض للعديد من المصادر. الاتفاق العام بين أغلب المصادر على نفس الصيغة يشير إلى أن الجميع استقى من نفس المنبع .. اليس كذلك؟ لكنه لا يعني بالضرورة صحة ودقة المعلومة !! أعد قراءة القصة كاملة وابحث عن الفجوات في القصة. ثمة جوانب في القصة لم تذكر وهي تمثل علامات استفهام عليك أن تجيب عليها. ستجد الإجابة في المصادر المفتوحة. يمكنك تحميل هذا الملف الذي يتضمن قائمة مصنفة للعديد من المصادر الفتوحة

المرحلة الثانية التأكد من سلامة المصدر الذي يروي القصة ونيته. عليك أن تنتبه للمصادر التي تروي القصة. وتضع في اعتبارك دائما عامل المصلحة الشخصية والنية المتعلقة بكل مصدر. الحياد غير موجود، وهذا أمر طبيعي. لذلك عليك أن تتوخى الحذر، وتتلقى معلوماتك من المصادر الأكثر قربا من الحدث. وضع في اعتبارك دائما أن لكل مصدر مصلحته في رواية القصة من زاويته

المرحلة الثالثة أخلاقيات النشر. فربما قد تأكدت من دقة المحتوى، والمصدر، وسلامة نيته في النشر. لكنك ترى أن نشر هذه القصة قد يضر المجتمع أكثر مما يفيد. هنا تتدخل الأخلاق لضبط ميزان العمل الصحفي

 الذكاء الاصطناعي في التدقيق

لا يمكننا أن نغفل دور الذكاء الاصطناعي في عملية التدقيق. فروبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكنها أن تساعد الصحفيين في مسك طرف الخيط. فالتساؤلات التي تريد الإجابة عنها، يمكن لروبوتات الدردشة أن تمدك بمعلومات مبدئية ومصادر تلك المعلومات. لا تثق في هذه الروبوتات فقط استخدمها كأداة لتمسك طرف الخيط

أيضا تساعدك هذه الروبوتات في تبسيط المصطلحات، وتلخيص التقارير المطولة، وجمع قائمة بالمصادر المهمة والخبراء للتواصل وإجراء مقابلات معهم. وكذلك البحث عن علامات تجارية وتقديم نبذة عنها. وتحديد الموقع الجغرافي المتعلق بصورة ما بناءا على المعالم الموجودة في الصورة. أي أن الذكاء الاصطناعي يمكن التعامل معه كسكرتير ماهر وسريع، يساعدك في تجهيز عملك. لكنه لن يقوم بالعمل نيابة عنك. للمرة الثانية أحذر ولا تثق في هذه الروبوتات، فهي قد تخطئ وتخلق معلومات غير حقيقية، والدليل على ذلك

أنها تقدم نص به أخطاء لغوية ومنطقية، وجمل لا علاقة لها المضمون. كما أنها تعيد النص السابق. كذلك يمكنك اكتشاف الصور المخلقة بالذكاء الاصطناعي. فغالبا ما تحتوي على تشوهات مرئية وعيوب بصرية، وبعض الأشياء الغير متطابقة في الصورة، والخلفية تكون ضبابية، ولا يمكن تمييز النص في الخلفية. أيضا عدم تناسق وجه الإنسان في الخلفية. يمكنك استخدام مواقع مثل Deepware ، Duck Duck Goose للكشف عن الفيديوهات والصور المخلقة بالذكاء الاصطناعي

ومع ذلك، فهناك مؤسسات عديدة حول العالم تبنت الذكاء الاصطناعي في عمليات التدقيق. من هذه المؤسسات: مؤسسة Full Fact البريطانية، ومؤسسة Claim Buster التابعة لمختبر IDIR، ومؤسسة ميدان للتدقيق في المعلومات المستقاة من الجمهور، وروبت الدردشة المتخصص في التدقيق الصحفي Fact Check Assistant . تعتمد هذه المؤسسات على أدوات الذكاء الاصطناعي في عملياتها. وهذا ما سنتناوله في السطور التالية:

أدوات الذكاء الاصطناعي للمحتوى المكتوب

هذه الأدوات تحلل المعلومات التي تنشر على الإنترنت وردود أفعال الناس عليها، وتحديد القصص المدققة. ومن هذه الأدوات

 Exorde، FactCheck.org ، ClaimReview

أدوات الذكاء الاصطناعي للصور

الصور الملتقطة بالكاميرا تحمل بينانات وصفية (ميتا داتا) مثل الأيزو والتعريض الضوئي ووقت التقاط الصورة ونحو ذلك . يمكنك الوصول لهذا البيانات في أي صورة لمعرفة ما إذا كانت صحيحة أم تم العبث بها، من خلال أدوات مثل

EXIF Data Viewer  ، Metadata2go،  ExifTool ، TinEye

أدوات الذكاء الاصطناعي للفيديوهات

هذه الأدوات تقارن الفيديوهات التي تقدمها لها بقاعدة بيانات للفيديوهات المزيفة المحفوظة لديها. وتحديد المصدر الأصلي للفيديو أو الملف الصوتي، والمواقع التي استخدمته، والمعلومات الوصفية للفيديو. ومنها

WeVerify ، Truepic ، YouTube DataViewer

Invid : للكشف عن ملفات الفيديو المنتشرة على السوشيال ميديا والتحقق من صحتها

أدوات الذكاء الاصطناعي لفحص مصدر الخبر

Media Bias/Fact Check: تساعد هذه الأدوات في التعرف على المواقع ومدى تحيزها السياسي

Climate Feedback ، SkyTruth: للكشف عن المعلومات المزيفة المتعلقة بالمناخ والبيئة

Dataminr : تستخدمها أكثر من 1500 غرفة أخبار لاكتشاف القصص الأكثر أهمية للجمهور

Hunchly : يستخدمها الصحفيون الاستقصائيون لتتبع الأدلة عبر الإنترنت والتحقق من المعلومات في مناطق الصراعات

أدوات الذكاء الاصطناعي للصحفي الميداني

تساعد هذه الأدوات الصحفيين الذين يغطون المناطق الساخنة. ومنها

 Eye witness : لمساعدة الصحفيين على تسجيل المحتوى المرئي بطريقة تضمن صحة الملفات واستخدامها في المحاكم والجهات القضائية ولا يمكن الطعن في أنها من مخلقات الذكاء الاصطناعي

Trint ، Discript: تساعد في تحويل المقابلات الصوتية والمرئية الميدانية إلى نصوص يسهل تحريرها ونشرها بسرعة

Planet Labs : توفر صورًا من الأقمار الصناعية محدثة بشكل يومي يمكن استخدامها في اكتشاف الأضرار أو التحركات العسكرية أو التغيرات في المناظر الطبيعية

استخدام الذكاء الاصطناعي في الكشف عن التزييف العميق

الأدوات السابقة مهمتها مساعدتك في التحقق من صحة المعلومات التي قد تكون خاطئة أو مضللة عن قصد أو غير قصد، وهي من صنع البشر. هذا بعد يسهل التعامل معه، لكن ماذا إذا كان المحتوى المقدم مخلق أساسا بالذكاء الاصطناعي بتقنية التزييف العميق؟

التزييف العميق

هو نموذج من الذكاء الاصطناعي الذي يتعلم من تلقاء نفسه. هذا النموذج يحفظ نبرة الصوت وأحداثيات الوجه من الملفات الأصلية، وتقوم بمحاكاتها بنفس الدقة لأنتاج واقع افتراضي غير حقيقي بحيث يستحيل التمييز بينه وبين الملف الأصلي. هذا النموذج يتكون من قسمين

القسم الأول المولد

ومهمته خلق ملف مزيف يحاكي الملف الاصلي

القسم الثاني المميز

مهمته المقارنة بين الملفين الأصلي والمزيف ليتأكد من أن درجة التطابق بينهما صارت متماثلة بدرجة عالية جدا لدرجة أنه يصعب على المميز التمييز بين الملفين

يعمل المولد على دفع الملف المزيف إلى القسم الثاني (المميز). القسم الثاني (المميز) يقارن بين الملف المزيف والملف الأصلي، فإذا وجد الملف المزيف ما زال غير دقيق يدفع به مرة أخرى للمولد. فيقوم المولد بالمراجعة والتعديل ودفعه مره أخرى للميز. فيقارن المميز مرة أخرى، وهكذا إلى أن يصبح التطابق بين الملفين دقيق جدا

للأسف، يستخدم التزييف العميق بشكل كبير في تشويه سمعة شخصيات أو كيانات عامة، واحداث البلبلة وتشويش الرأي العام. مثل  الفيديو الذي أظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وهو يطلب من جنوده إلقاء أسلحتهم. أو مثل الفيديو الذي أظهر إلون ماسك وهو ينصح بالاستثمار في العملات المشفرة. ومن أمثلة المواقع التي التي تستخدم في صناعة التزييف العميق مثل Vidnoz AI Face Swap ، و Vidwud AI . والسؤال الآن .. كيف يمكن اكتشاف المحتوى المخلق بتقنية التزييف العميق؟

أولا الفحص اليدوي

هنا ستبدأ بالقاء نظرة فاحصة على الفيديو من خلال ثلاث خطوات. الخطوة الأولى هي التحقق من سمعة المصدر. والتأكد من عدم وقوعه مسبقا في شبهة نشر محتوى غير صحيح. الخطوة الثانية هي التركيز على مضمون المحتوى المعروض ومدى منطقيته واتساقه مع الأحداث والشخص الذي يقوله. الخطوة الثالثة هي التركيز في المفيديو، ستجد ثمة أخطاء ما في حركات الشفاهة، أو التزامن بين الصوت وحركة الشفاه، وحركة العين، وتعابير الوجه غير طبيعية، ثمة وميض في الصورة أو تغير في الألوان أو الظلال أو تمويه

ثانيا الفحص التقني

وهنا سنستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اكتشاف ما إذا كان الفيديو حقيقي أم مخلق. لكن ثمة تحديات في استخدام هذه الأدوات، منها أن الفيديو المنخفض الجودة يصعب على هذه الأدوات أن تكتشف فيه التزييف، لاسيما إذا كانت الأضاءة منخفضة وثمة مؤثرات أو ضبابية في الفيديو. كذلك بطء تعلم هذه الأدوات للتقنيات الجديدة التي يخلقها التزييف العميق. فضلا عن أن الأدوات المستخدمة غالبا ما تكون غير مجانية وتمثل عبء على المؤسسات الصحفية. ومن أمثلة هذه الأدوات

Resemble AI- deepfake detector 

Attestiv Video

BioId

Deepware


المصدر

كيف يمكن للصحفيين والمدققين كشف الحيل المضللة لقواعد ورسوم البيانات؟

ما الذي يحتاج الصحفيون معرفته لمكافحة اضطراب المعلومات؟

كيف يستفيد مدققو المعلومات من الذكاء الاصطناعي؟

تتبع المعلومات المضللة وأدوات مساعدة بواسطة الذكاء الاصطناعي

استخدام الذكاء الاصطناعي في الكشف عن التزييف العميق في التحقيقات الاستقصائية

أدوات ذكاء اصطناعي تساعد الصحفيين في تغطية الحروب

دليلك لاستخدام إنفيد في التحقق من صحة الصور والفيديوها

Leave a Reply